__________________________________________
__________________________________________

من أجلهم

الأربعاء، 29 أكتوبر 2008

عن الذي لم يحدث..




الذي لمْ يكنْ لهُ أَنْ يكون, هو الذي يشغلني و كأنه كائنٌ في كل حين..
اليد التي لمْ يكنْ لها أَنْ تمكثُ وقتًا أطول متشبثةً بيدي, هي التي تقودني إليك..
الليل الذي لم يتمدد و لم يُطِلْ إقامته بطول قامة شغفي بك, هو الذي يحملني لأغفو بين ذراعيك..
وجهي الذي لمْ يختبئ في صدرك, هو الذي يغتسل ليليًا بعبق أنفاسك البعيدة/ الأقرب مني لي..
الوسادة التي لمْ يستند عليها رأسك, هي التي توشوشني بحكايا لا تنتهي عنك..
المقعد الذي لمْ تجاوريني فيه, هو الذي يحرِّض هذا الاحتكاك بين كتفي و كتفك.
القهوة التي لَمْ نتشارك في ارتشافها, هي التي تذوبني كقطعة سكر بين شفتيك..
المطر الذي لَمْ نجتمع تحت سمائه , هو الذي بدأ مع جسدي هذا الحوار الطويل عنك..
الأماكن التي لم نجلس فيها معًا, هي التي أراها الآن بعينيك..

اللحظات التي لَمْ يكن لها أن تكون, هي التي أعيشها و كأنها كائنة في كل حين..

السبت، 25 أكتوبر 2008

نزف





يوجعني باب الانتظار المفتوح و رياح الحنين تصفق به في صلفٍ و عصبية..

أنا في غيابك.. حزنٌ يتكاثف, و يحجب عَنْ صبري الرؤية..
أنا وهنٌ في جسد الأيام التي كانت تسير بسرعة, فصارت تتسكع ببطء منذُ أن بدأت استعجل سيرها..
أنا جرحٌ في جسد الوقت المعطوب بفعل غيابك.. الوقت مبتور القدمين.. يتمدد كجثة تتحرك زحفًا و تتكئ على جرحها النازف..
أنا دعاء الضال, الدعاء الذي يتعلق بأمل الرحمة و يتجاوز السماء الدُنيا, و يتوه في سبع سماوات أُحكمت أبوابها..
أنا وجع النوافذ المفتوحة على الغياب, المرهونة للانتظار, المهجورة مِن السأم..
أنا عتبات الأبواب المنسية, العتبات التي لا يطأها إلا الهجر, و الفراغ, و الوحشة الـمُخلصة..
أنا الرغبات المنسية بفعل سأم الانتظار, الرغبات التي لم يعد يرعاها أصحابها و لم يعد يسقيها بالترقب أحد..
أنا في غيابك.. بلا أحد..
أنا لا أحد..
.

الجمعة، 17 أكتوبر 2008

لها..





أنفض عَن المقاعد الفارغة الحزن الكثيف..
لتتهيأ لِثقل الانتظار..
و تسقطُ عمدًا مِنْ حصيلة الأيام المنهكة, ثمان ساعات يوميًا.. ليعانق وقتي وقتك..

افتح شباك الحلم على وجهك, أناجيه..
أُخبرهُ أن الفرح صارَ شحيحًا كصوتك..
و أن الفقد شاسع كالضياع..

 

الخميس، 16 أكتوبر 2008

مناجاة




ربِّ إني أكبر في تسارعٍ خاطف, أكبر دون علمٍ مني.. أكبر إلى درجة أن أندادي يسقطون كورق الخريف. و أمي تتعمق في اليأس, و أبي يشيبُ بصخب..


ربِّ إن صديقاتي ينضبنَ كالأحلام.. و شقيقاتي يكبرنَّ في القسوة..
ربِّ إني قد وهنَ الصبرُ مني, و اشتعلَ القلبُ حُزنا..

ربِّ إنَّ الفرح شحيح, كالترف. و الحزنُ كثيف, كالحاجة.

ربِّ إني أفقدُ رغبةَ الحياة, و أهابُ الموت.. فـ لو أني اتلاشى يا الله لو أني اتلاشى كتلاشي الظلال في حضرة النور المُبهر..

لو أني اتلاشى..


.






الأربعاء، 15 أكتوبر 2008

القمر مسافر


عَلى جميع المُغادرين أَن يتركوا لَنا الوطن و الأحبة, و أن يأخذوا الحنين.
على جميع المُغادرين أَن يتركوا أماكنهم تزدحم بالخواء و الصمت, و أن يمنعوا غيابهم من الحضور بكثافة.
على جميع المُغادرين التوجه حيث شاءوا.. شرط :أَن يكونوا وَحيدين..










و أنا لا أحب المُسافرين أمثالك.. بدلاً من ترك الوطن و الأحبة.. تغادرين.. فيغادرني الوطن و كل الأحبة..

لا أحب الآفلين.. بدلاً من ترك الأمكنة تزدحم بالصمت و الخواء.. تملأينها بحضور غيابك.. و أغادرني بحثًا عنك..

لا أحب المُغتربين.. الذين يستظلون بسماء بعيدة.. بدلاً مِنْ أن تشرق عليكِ الشمس مُتأخرة.. فتعيشين الصباحات المُستخدمة.. تعتقلين صباحاتي.. و يتغير توقيت ساعتي بحسب (دالاس).. و يضطرب توقيتي.. و أعيش كما تعيشين..


لا أحب المُسافرين..





يااااااااه يا بليغ







و ناديت عَ الأحباب, قالوا: كفاية.. كفاية.. و مِن حَ يُرد؟

دَه القمر مِسافر.. و السهر مِسافر.. و الفرحة مسافرة.. حتى الحُزن سافر..

كل الناس مِسافرة.. و هي قريِّبة مني..

كل الناس في غربة.. و مين حَ يسأل عني..

دا احنا قريّبين, و همَّا قريّبين..

لكن مِن سنين.. كلنا مِسافرين..

فشل




أنا فاشلة في الحساب.

أُخطئ كثيرًا في حساب عُمري لأن سنواته تجاوزت عدد أصابعي العشرين.

لكني في هذه الأيام أغرق في مهام حسابية مُرهقة ..

علي أَنْ أُجيد العد التنازلي بسرعة فائقة, لكي أُحصي تناقص صديقاتي المتسارع.

علي أَنْ أحفظ جدول الضرب, لكي اتمكن مِن إحصاء خساراتي المتضاعفة باستمرار..

علي أَنْ أعرف كيف أطرح ثمان ساعات يوميًا من أيامي, لأعرف في أي لحظة تعيش صديقتي المستظلة بسماء سان انطونيو..


علي أَنْ اعترف بأن الحياة لمدة ربع قرن, كافية لإعلان الهزيمة..
و أن هذا العُمر لا يتناسب مع الكذب على الذات..
و علي أن اعترف الآن بأني كبرتُ على هدهدة المخاوف بالكذبة الأثيرة : " بكرة أحلى".
.

الأحد، 12 أكتوبر 2008

غياب


تغيبين..

و يَ
ضربُ الشوق بقدميه في نزق على أرض أيامي الباردة.. و كالأطفال.. يبكي.. و يستجدي صوتك..
تغيبين.

و يجلسُ الوقت بمحاذاة مكانك الخالي .. يبكي.. و يناجيك..

تغيبين..

و أَنا.. اتعلق بطرف ثوب اللحظات التي تجيء بك..و أرجوها أن تطيل المكوث..

أرجوها أن تكون أكثر سخاءً..

أكثر حضورًا من غيابك..
أرجوها أن لا تغادرني أبدًا..
و أن لا تأخذك.. فتغيبين..

السبت، 11 أكتوبر 2008

ذاكرة





- لي ذاكرة مَلعونة تختزن الحَكايا, و تُسقِط مِنْ ثقوبها متعلقاتي اليومية.
- لي ذاكرة مَلعونة تُدير الماضي في رأسي كاملًا كفيلم قديم, و مُلوَّن. و تنسى أحداث يومي الراهن, كمسلسل يومي رتيب, و مُكرر.
- لي ذاكرة ملعونة تحدق في وجه الماضي المؤلم , و تحفظ أكثر تفاصيله, و تتعامى عَن اللحظة الراهنة, فأنسى أكثر تفاصيلها.
- لي ذاكرة ملعونة تلتقط حَكايا الآخرين المنثورة, تختزنها نيابةً عنهم, و تكررها علي كثيرًا كثيرًا.. فأخشى على حكاياتي التي تفيض عن تراكماتٍ تسكنني, أخشى أن تختزنها رؤوس الآخرين و يعيدونها علي يومًا ما.
- لي ذاكرة ملعونة أخاف من خيانتها لي, أخاف أن تخلق في رأسي أحداثًا لم تكنْ فقط لتُثبت لي براعتها.. أخاف أن تكذب علي بمشاهدٍ لم تحدث إلا في تصوري, فأصدق أنها حدثت فعلاً, لأني لا أجرؤ على تكذيب هذه الذاكرة الملعونة.
- لي ذاكرة مَلعونة وشيتُ بها للصديقة القريبة, و ظلت تضحك كثيرًا على وَصف ملعونة و تطلب مني أَنْ اُعيده.. و كنتُ أعيد الكلمة أعيدها كثيرًا و أُعيذُ نفسي مِنْ غضب الذاكرة الملعونة..
- لي ذاكرة ملعونة أُحاولُ أَنْ أعلمها أمورًا جديدة.. أن استجديها في إبحارٍ بعيد, أَن أسألها عَن أقدم لحظات الفرح الذي عرفت.. عن لحظاتٍ كانت و لم تعد موجودة إلا في أغوارها..





استجدي الذاكرة في أن تأخذني إلى أعمق مناطقها , و في كل مرة لا أصل إلا إلى مشهدٍ بعيد, في بيت قديم لا
زالَ عَلى حاله. و بابٍ حديدي بلون أزرق يفصلهُ عَنْ السقف مساحة مسكونة بنقوش حديدية تتخللها فراغات تطل على الخارج..

و أبي يحملني من تحتِ ذراعي و يرفعني إلى أعلى لأنظر مِن خلال هذه الثقوب..
أظن أن هذه هي أقدم ذكرى تجمعني بأبي..
و ابتسم حينَ أفكر في أبي الذي أرادَ لي أّنْ أرى الدُنيا مِن فوق الباب و ليسَ من وراء الأبواب..




في يومي الأول في الدراسة مضى (الباص) و تركني لأني لم انتظره, و لم تطلب شقيقاتي الساديات من السائق أن ينتظر أختهن الصغيرة المُهملة.. مَع أني قضيت الصباحات التي سبقت وصولي إلى سن الدراسة في الجلوس مع شقيقاتي أقاسمهنَّ الانتظار , حتى إذا أتى (الباص) يذهبن, و أنا أعود إلى فراشي لأنام خالية البال..
لكنه خذلني في يومي الدراسي الأول , و كنتُ حينها أقوى مِنْ أَنْ أركض خلفه. و ركضتُ في الاتجاه المُعاكس له, إلى نافذة جدي الذي عالج خيبتي, و أخذني إلى المدرسة.

حين كبرت قليلاً.. تركني هذا (الباص) كثيرًا.. و تركتني (باصات) أُخرى.. و تجرأ سائق (باص) مدرستي الثانوية , و اشتكى البنت التي لا تعرف الانتظار إلى أبي..
لامني أبي كثيرًا و علمني أن احترف الانتظار.. لـمْ يكن أبي كجدي الذي يستيقظ ليعالج خيبتي و لا يوجه لي أي لوم .

حينَ أنهيت سنين الدراسة, وَ طويت خيبة الانتظار.. ماتَ جدي.. فعرفتُ خيبة انتظار الذين لا يعودون, و لَنْ يُعالج خيبتي أحد..
.


هي المرة الأولى التي انتظر فيها العيد بمثل هذا الترقب, و احتفي بهِ بكل تلك الفرحة. و كل ذاك التكلف.
و هي المرة الأولى التي يُغادرني فيها العيد مُجتثًا مِنْ أَيامي حضور الذين أحب..
هي المرة الأولى التي يُغادرني العيد, و قد بترَ فرحتي بحضور الفقد..
هي المرة الأولى التي أوصد فيها تجمعات الفرح, بمجلس عزاء..

و ها أنا الآن.. وحيدة.. وَحيدة يا الله, كصوت طقطقة أصابعي على لوحة المفاتيح, هذا الصوت الوحيد الذي يخترق زحام الصمت, و يذكرني بأني لم اتحدث منذ أيام..
وحيدة.. وحيدة أنا يا الله, كفنجاني الذي لمْ يجرب أبدًا أن يسكن في صحن تقديم متجاورًا مع أوانٍ أخرى يتشارك فيها أشخاص متعددون.
وحيدة.. وحيدة أنا يا الله, كحزن أهالي الموتى الـمُغادرين في العيد.. الحزن الذي لا يتشارك فيه أحد..
وحيدة.. وحيدة و حزينة كمقبرة الحي الشاااسعة.. التي يسكنها أي أحد.. و يكرهها كل أحد.. و لا يسر لرؤيتها أحد..
وحيدة.. و حزينة.. حزينة.. حزينة..