قرأت ذات مرة أن أطول حلم يعيشه الإنسان أثناء نومه, لا يتجاوز السبع ثواني. لكنَّ أحلامي طويلة و ممتدة, أحلامي مزدحمة بكل شيء..
بوجوه الماضي, بالأماكن القديمة و الأماكن الحالية, بالأغاني, بالصديقات الحاليات, و بالأصدقاء الذين كانوا, و الذين لم يكونوا.
أحلامي مُرْهِـقة. أشك أنَّ مشاهدها أطول من ساعات نومي.اشتكيت يومًا مِن هذه الأحلام لصديقتي القريبة, فقالت لي على الفور:
- اطردي المخرج : )
أرى في منامٍ ما أني أجلس بجوار شقيقتي في فناء المنزل الذي شهدَ ميلادي لنُراقب النجوم التي تلمع بشكلٍ مُبهر, و تتحرك في السماء بخفة رهيبة, تقترب من بعضها, و تلمع من جديد بشكلٍ مبهر, و تبتعد و تتفرق, و تعود لتلتقي و كأنها تؤدي لوحة راقصة.لا تطول مُتعتي بهذا الحلم لأن النجوم تقترب إلى الأرض حتى تلامس سطحها, فأكتشف و يا للخيبة أنها ألعاب نارية.و في نفس الحلم تستعيد أحلامي ذاكرة الطفولة و مشاهد أفلام كرتون الآكشن, فتحيط بالمكان أضواء مستطيلة الشكل بنور أزرق مُبهر تومض بسرعة لتحيل المكان إلى ليل و نهار يتعاقبان في سرعة الثواني, أهرب مع أختي الصغيرة و أبحث عن شقيقاتي الأكبر مني لأخبئهن, أحكي لأمي – الموجودة في المنزل الذي شهد ميلادي في قرية بعيدة – و أخبرها أن الوضع يُنذر بكارثة كونية أو بقصف جوي و لا تصدقني, فآخذها من يدها لندخل إلى المطبخ الموجود في بيتنا الحالي في هذه المدينة, فأقول لها إن الأضواء التي أحاطت بالمكان في حجم أبواب خزانة المطبخ.
في نفس المنام تأتيني أختي برواية السجينة لمليكة أوفقير و معها كتابين آخرين - لا اتذكرهما الآن - و قد قامت صديقتها بتمزيق الكتب بشكل شنيع, فأظل أبكي .. و اتنازل عن حقي في الكتابين لكني أطلب منها أن تُجبر صديقتها على أن تعوضني خسارتي في رواية السجينة.
و في نفس المنام أيضًا, أجدني في فناء بأشجار كثيرة, و على صدري يجثم هم عظيم, لكنه ليس كحزن الفواجع.. أمي ماتت في الحلم, و أبي يخرج و برفقته سيدة ترتدي عباءة و تكشف عن شعرها, و بدلا من مواساتي يؤنبني لأني تركت شقيقاتي و خرجت إلى هُنا, و أظل انتظر خروج أبي و المرأة التي معه, لانتحر.
في حلم آخر رأيت أن أبي مات, وجاءت صديقتي من أمريكا لتواسيني, أخذتني من يدي من بين جموع المعزيات, و ذهبنا إلى غرفة نومي, وضعت رأسي على فخذ صديقتي و كنت أعاني من حزن لا يُطاق, و مُت.
و بقيت و أنا ميتة أفكر في حال صديقتي التي ستضطر أن تُخبر أهلي بينما هم في ذروة الحزن على أبي.. أن ابنتهم ماتت.. و أفكر في أنها ستعود إلى أمريكا و هي تُعاني من الحزن الشديد على وفاتي فيتعطل سير دراستها, و أن حُزنها الشديد أيضًا سيؤثر على طفلتها التي تحتاجها.. و ذهبت إلى أبعد من هذا.. كنت أفكر في أني دائمًا أقول أني سأحزن على فقد أبي كثيرًا, بينما لن أحزن على أمي لأني سأموت بعدها مُباشرةً .. فكيف مت بعد أبي بدلًا من أن أموت بعد أمي؟
و في حلمٍ آخر, يلتقي منتخبنا الوطني بمنتخب مصر النسائي, و الفنانة نجاة الصغيرة تظهر في الحلم كلاعبة في منتخب مصر في مركز المهاجم, و هي محجبة و بنفس شكلها الذي ظهرت فيه أثناء استلام جائزة العويس (الذين أسعدوا العالم) و أنا أتابع المباراة بشغف و أشجع فريق نجاة الصغيرة.. : )
في منامٍ آخر كنت أيضًا أُراقب النجوم التي تقترب من بعض في وضح النهار حتى تُشكل منظر (جيتار).. و تقترب من بعضها في المساء و تشكل (قيثارة).و في نفس المنام تزورني صديقتي رزان و قد فقدت الكثير من وزنها, و ترتدي ملابس إنجلينا جولي في دور (لارا كرافت) و تعاتبني على قلة اهتمامي بها.و في منام آخر أكون على فراشي و أسحب هاتفي النقال من تحت الوسادة – كالواقع تمامًا – و أقوم بالإتصال بالأستاذ المشرف على رسالتي العلمية أكثر من مرة و في كل مرة يسقط الهاتف من يدي و أناااام..حين استيقظت, ألقيت نظرة على سجل الهاتف.. لأتأكد أني فعلت كل هذا في المنام و ليس في الواقع.
تدخل أمي الغرفة أكثر من مرة و تضع إلى جواري طبق يحتوي بطيخة حمراء مقطعة إلى مكعبات صغيرة و استيقظ و لا شيء بجواري..في حلم آخر اكتشفت أن ابنة عمي الصغيرة و المُحببة لي ليست إلا ميدالية مفاتيح قامت أمها بشرائها و تربيتها فتحولت إلى آدمية, و رأيت في الحلم ميداليات مفاتيح كثيرة على شكل ابنة عمي قبل أن تتحول إلى طفلة حقيقية.أختى الصغرى تظهر لي في المنام و هي حامل و بين ذراعيها طفل رضيع تقول لي إنه نسخة خارجية عن الجنين الموجود في بطنها, كلما تقدَّم حملها شهرًا تقدَّم هذا الطفل في عمره شهر.. و أنه و إن كان بين ذراعيها إلا أنه يُعتبر غير مولود بعد.. و العجيب في الحلم أنَّ هذا الطفل كان يتحدث كرجل كبير تمامًا.
في نفس المنام تبدأ حصة الرياضيات – في الحقيقة ودعت الرياضيات تمامًا قبل أكثر من ثماني سنوات – لكنَّ حصة الرياضيات تبدأ و تأتي (أبلة أمل) معلمة الرياضيات التي درست على يديها في الصف الأول ثانوي.. فأجد في المنام أني قد تغيبت عن درس الرياضيات ثلاثة أسابيع كاملة و دفتري خالٍ تمامًا من أي درس, و أقضي وقتي في استراق النظر إلى دفاتر الزميلات المجاورات لأعرف كم من الدروس فاتني و كم عدد الصفحات التي ينبغي أن أُتركها فارغة لأكملها فيما بعد, و يمضي الحلم و أنا أعيش حالة صراع نفسي عجيب لا أفهم أي شيء و لا أعلم لماذا تغيبت ثلاثة أسابيع كاملة و لا أُدرك ما الذي أعادني إلى هُنا..
تزورني الصديقة البعيدة كثيرًا.. كثيرًا.. و لكنها دائمًا لا تعرفني في المنام, فأقضي كل الحلم - الذي يفترض به أن يكون تحقيقًا لما عجزنا عنه في الواقع – في محاولة تذكيرها بنفسي و هي لاهية بشكل مُؤسف, و موجع..
نومي مساحة صغيرة جدًا, و أحلامي تزدحم في هذه المساحة و تختلط .. حتى يوشك المكان على الإنفجار.
أشك أنَّ هذا الصداع المستمر ضريبة أحلامي الطويلة و المتعاقبة.. ضريبة النوم الذي لا أنام فيه و إنما أعيش خلاله كل هذه الأشياء العجيبة..