__________________________________________
__________________________________________

من أجلهم

السبت، 11 أكتوبر 2008

ذاكرة





- لي ذاكرة مَلعونة تختزن الحَكايا, و تُسقِط مِنْ ثقوبها متعلقاتي اليومية.
- لي ذاكرة مَلعونة تُدير الماضي في رأسي كاملًا كفيلم قديم, و مُلوَّن. و تنسى أحداث يومي الراهن, كمسلسل يومي رتيب, و مُكرر.
- لي ذاكرة ملعونة تحدق في وجه الماضي المؤلم , و تحفظ أكثر تفاصيله, و تتعامى عَن اللحظة الراهنة, فأنسى أكثر تفاصيلها.
- لي ذاكرة ملعونة تلتقط حَكايا الآخرين المنثورة, تختزنها نيابةً عنهم, و تكررها علي كثيرًا كثيرًا.. فأخشى على حكاياتي التي تفيض عن تراكماتٍ تسكنني, أخشى أن تختزنها رؤوس الآخرين و يعيدونها علي يومًا ما.
- لي ذاكرة ملعونة أخاف من خيانتها لي, أخاف أن تخلق في رأسي أحداثًا لم تكنْ فقط لتُثبت لي براعتها.. أخاف أن تكذب علي بمشاهدٍ لم تحدث إلا في تصوري, فأصدق أنها حدثت فعلاً, لأني لا أجرؤ على تكذيب هذه الذاكرة الملعونة.
- لي ذاكرة مَلعونة وشيتُ بها للصديقة القريبة, و ظلت تضحك كثيرًا على وَصف ملعونة و تطلب مني أَنْ اُعيده.. و كنتُ أعيد الكلمة أعيدها كثيرًا و أُعيذُ نفسي مِنْ غضب الذاكرة الملعونة..
- لي ذاكرة ملعونة أُحاولُ أَنْ أعلمها أمورًا جديدة.. أن استجديها في إبحارٍ بعيد, أَن أسألها عَن أقدم لحظات الفرح الذي عرفت.. عن لحظاتٍ كانت و لم تعد موجودة إلا في أغوارها..





استجدي الذاكرة في أن تأخذني إلى أعمق مناطقها , و في كل مرة لا أصل إلا إلى مشهدٍ بعيد, في بيت قديم لا
زالَ عَلى حاله. و بابٍ حديدي بلون أزرق يفصلهُ عَنْ السقف مساحة مسكونة بنقوش حديدية تتخللها فراغات تطل على الخارج..

و أبي يحملني من تحتِ ذراعي و يرفعني إلى أعلى لأنظر مِن خلال هذه الثقوب..
أظن أن هذه هي أقدم ذكرى تجمعني بأبي..
و ابتسم حينَ أفكر في أبي الذي أرادَ لي أّنْ أرى الدُنيا مِن فوق الباب و ليسَ من وراء الأبواب..




في يومي الأول في الدراسة مضى (الباص) و تركني لأني لم انتظره, و لم تطلب شقيقاتي الساديات من السائق أن ينتظر أختهن الصغيرة المُهملة.. مَع أني قضيت الصباحات التي سبقت وصولي إلى سن الدراسة في الجلوس مع شقيقاتي أقاسمهنَّ الانتظار , حتى إذا أتى (الباص) يذهبن, و أنا أعود إلى فراشي لأنام خالية البال..
لكنه خذلني في يومي الدراسي الأول , و كنتُ حينها أقوى مِنْ أَنْ أركض خلفه. و ركضتُ في الاتجاه المُعاكس له, إلى نافذة جدي الذي عالج خيبتي, و أخذني إلى المدرسة.

حين كبرت قليلاً.. تركني هذا (الباص) كثيرًا.. و تركتني (باصات) أُخرى.. و تجرأ سائق (باص) مدرستي الثانوية , و اشتكى البنت التي لا تعرف الانتظار إلى أبي..
لامني أبي كثيرًا و علمني أن احترف الانتظار.. لـمْ يكن أبي كجدي الذي يستيقظ ليعالج خيبتي و لا يوجه لي أي لوم .

حينَ أنهيت سنين الدراسة, وَ طويت خيبة الانتظار.. ماتَ جدي.. فعرفتُ خيبة انتظار الذين لا يعودون, و لَنْ يُعالج خيبتي أحد..
.

هناك تعليق واحد:

  1. كنت قبل مجئى الى هنا

    اعلم انى فقط الوحيده بهذا العالم

    وانى الوحيده التى لها ذاكرة ملعونه

    ولكن ... نادرا ما يتلاقى المغتربون

    ولمثلنا ... مالنا سواه

    فكونى قريبه منه

    هو الوحيد الذى سيرد خيبه
    الانتظار عنكى

    كلما تعلقتى به اكثر كلما قواكى

    على تحمل الانتظار ...

    امامه تتلاشى الاحزان ويقوى الامل

    تحياتى
    :)

    ردحذف